فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَيُنَجّى الله الذين اتقوا} ما اتصف به أولئك المتكبرون من جهنم.
وقرئ {ينجى} بالتخفيف من الانجاء {اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ} اسم مصدر كالفلاح على ما في الكشف أو مصدر ميمي على ما في غيره من فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه، وقال الراغب: هي مصدر فاز أو اسم الفوز ويراد بها الظفر بالبغية على أتم وجه كالفلاح وبه فسرها السدي، والباء للملابسة متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول مفيدة لمقارنة تنجيتهم من العذاب لنيل الثواب أي ينجيهم الله تعالى من جهنم مثوى المتكبرين لتقواهم مما اتصف المتكبرون به ملتبسين بفلاحهم وظفرهم بالبغية وهي الجنة، ومآله ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة، وكون الجنة بغية المتقي كائنًا من كان مما لا شبهة فيه.
نعم هي بغية لبعض المتقين من حيث إنها محل رؤية محبوبهم التي هي غاية مطلوبهم ولك أن تعمم البغية، وقوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} في موضع الحال أيضًا إما من الموصول أو من ضمير {مفازتهم} مفيدة لكونهم مع التنجية أو الفوز منفيًا عنهم على الدوام مساس جنس السوء والحزن، والظاهر أن هذه الحال مقدرة، وقيل: إنها مقارنة مفيدة لكون تنجيتهم أو مفازتهم بالجنة غير مسبوقة بمساس العذاب والحزن، ولا يخفى أنه لا يتسنى بالنسبة إلى جميع المتقين إذ منهم من يمسه العذاب ويحزن لا محالة، وعد وجود ذلك لقلته وانقطاعه كلا وجود تكلف بعيد، وجوز أن يراد بالمفازة الفلاح ويجعل قوله تعالى: {بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ} الخ استئنافًا لبيانها كائنة قيل: ما مفازتهم؟ فقيل: لا يمسهم. إلخ.
والباء حينئذ على ما في الكشف سببية متعلقة بينجي أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم.
وتعقب بأن في جعل عدم الحزن وعدم السوء سبب النجاة تكلفًا فهما من النجاة، والظاهر أنه لو جعلت الباء على هذا الوجه أيضًا للملابسة لا يرد ذلك، وجوز كون المفازة اسم مكان أي محل الفوز، وفسرت بالمنجاة مكان النجاة، وصح ذلك لأن النجاة فوز وفلاح، وجعلت الباء عليه للسببية وهناك مضاف محذوف بقرينة باء السببية وإن المنجاة لا تصلح سببًا أي ينجيهم بسبب منجاتهم وهو الايمان، وهو كالتصريح بما اقتضاه تعليق الفعل بالموصول السابق، وفسره الزمخشري بالأعمال الصالحة، وقواه بما حكاه عن ابن عباس ليتم مذهبه؛ أو لا مضاف بل هناك مجاز بتلك القرينة من إطلاق اسم المسبب على السبب، والجملة بعد على الاحتمالين في هذا الوجه حال ولا يخفى أن المفازة بمعنى المنجاة مكان النجاة هي الجنة والايمان أو العمل الصالح ليس سببًا لها نفسها وإنما هو سبب دخولها فلابد من اعتباره فلا تغفل، وجوز أن تكون المفازة مصدرًا ميميًا من فاز منه أي نجا منه يقال: طوبى لمن فاز بالثواب وفاز من العقاب أي ظفر به ونجا، والباء إما للملابسة والجملة بيان للمفازة أي ينجيهم الله تعالى ملتبسين بنجاتهم الخاصة لهم أي بنفي السوء والحزن عنهم، ولا يخفى ركاكة هذا المعنى، وإما للسببية إما على حذف المضاف أو التجوز نظير ما مر آنفًا، ولا يحتاج هنا إلى اعتبار الدخول كما لا يخفى، والجملة في موضع الحال أيضًا.
وجوز على بعض الأوجه تعلق {بِمَفَازَتِهِمْ} بما بعده ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وبالجملة الاحتمالات العقلية في الآية كثيرة لأن المفازة إما اسم مصدر أو مصدر ميمي أو اسم مكان من فاز به ظفر أو من فاز منه نجا والباء إما للملابسة أو للسببية أو للاستعانة، وهي إما متعلقة بما قبلها أو بما بعدها وهذه ستة وثلاثون احتمالًا وإذا ضممت إليها احتمال حذف المضاف في بمفازتهم بمعنى منجاتهم أو نجاتهم واحتمال التجوز فيه كذلك وكذا احتمال كون جملة {لاَ يَمَسُّهُمُ} الخ حالًا من الموصول واحتمال كونها حالًا من ضمير مفازتهم واحتمال كون الحال مقدرة وكونها مقارنة زادت كثيرًا، ولا يخفي أن فيها المقبول ودونه بل فيها ما لا يتسنى أصلًا فأمعن النظر ولا تجمد.
وقرأ السلمي والحسن والأعرج والأعمش وحمزة والكسائي وأبو بكر {بمفازاتهم} جمعًا لتكون على طبق المضاف إليه في الدلالة على التعدد صريحًا.
{الله خالق كُلّ شَىْء} من خير وشر وإيمان وكفر لكن لا بالجبر بل بمباشرة المتصف بهما لأسبابهما فالآية رادة على المعتزلة ردًا ظاهرًا {وَهُوَ على كُلّ شيء وَكِيلٌ} يتولى التصرف فيه كيفما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة، وكأن ذكر ذلك للدلالة على أنه سبحانه الغني المطلق وإن المنافع والمضار راجعة إلى العباد، ولك أن تقول: المعنى أنه تعالى حفيظ على كل شيء كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} [الزمر: 41] وحاصله أنه تعالى يتولى حفظ كل شيء بعد خلقه فيكون إشارة إلى احتياج الأشياء إليه تعالى في بقائها كما أنها محتاجة إليه عز وجل في وجودها.
{لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} أي مفاتيحها كما قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم فقيل هو جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع مقليد وقيل: جمع مقلاد من التقليد بمعنى الإلزام ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره، وكذا القلادة للزومها للعنق، وجعل اسمًا للآلة المعروفة للإلزام بمعنى الحفظ وهو على جميع هذه الأقوال عربي والأشهر الأظهر كونه معربًا فهو جمع اقليد معرب إكليد وهو جمع شاذ لأن جمع افعيل على مفاعيل مخالف للقياس وجاء أقاليد على القياس ويقال: في اكليد كليد بلا همزة، وذكر الشهاب أنه بلغة الروم اقليدس وكليد واكليد منه، والمشهور أن كليد فارسي ولم يشتهر في الفارسية اكليد بالهمزة، وله مقاليد كذا قيل: مجاز عن كونه مالك أمره ومتصرفًا فيه بعلاقة اللزوم، ويكنى به عن معنى القدرة والحفظ، وجوز كون المعنى الأول كنائيًا لكن قد اشتهر فنزل منزلة المدلول الحقيقي فكنى به عن المعنى الآخر فيكون هناك كناية على كناية وقد يقتصر على المعنى الأول في ازرادة وعليه قيل هنا المعنى لا يملك أمر السماوات والأرض ولا يتمكن من التصرف فيها غيره عز وجل.
والبيضاوي بعد ذكر ذلك قال: هو كناية عن قدرته تعالى وحفظه لها وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لمكان اللام والتقديم، وقال الراغب: مقاليد السماوات والأرض ما يحيط بها، وقيل: خزائنها، وقيل: مفاتيحها، والإشارة بكلها إلى معنى واحد وهو قدرته تعالى عليه وحفظه لها انتهى.
وجوز أن يكون المعنى لا يملك التصرف في خزائن السماوات والأرض أي ما أودع فيها واستعدت له من المنافع غيره تعالى، ولا يخفى أن هذه الجملة إن كانت في موضع التعليل لقوله سبحانه: {وَهُوَ على كُلّ شيء وَكِيلٌ} [الزمر: 62] على المعنى الأول فالأظهر الاقتصار في معناها على أنه لا يملك أمر السماوات والأرض أي العالم بأسره غيره تعالى فكأنه قيل: تعالى يتولى التصرف في كل شيء لأنه لا يملك أمره سواه عز وجل، وإن كانت تعليلًا له على المعنى الثاني فالأظهر الاقتصار في معناها على أنه لا قدرة عليها لأحد غيره جل شأنه فكأنه قيل: هو تعالى يتولى حفظه كل شيء لأنه لا قدرة لأحد عليه غيره تعالى، وجوز أن تكون عطف بيان للجملة قبلها وأن تكون صفة {وَكِيلٌ} وأن تكون خبرًا بعد خبر فأمعن النظر في ذلك وتدبر.
وأخرج أبو يعلى ويوسف القاضي في سننه وأبو الحسن القطان في المطولات وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {له مقاليد السموات والأرض} فقال: «لا إله إلا الله والله أكبر سبحان الله والحمد لله استغفر الله الذي لا إله إلا هو الأول والآخر والظاهر والباطين يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» الحديث.
وفي رواية ابن مردويه عن ابن عباس أن عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أخبرني عن مقاليد السماوات والأرض فقال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير يا عثمان من قالها إذا أصبح عشر مرات وإذا أمسى أعطاه الله ست خصال.
أما أولهن: فيحرس من إبليس وجنوده.
وأما الثانية: فيعطي قنطارًا من من الأجر.
وأما الثالثة: فيتزوج من الحور العين.
وأما الرابعة: فيغفر له ذوبه.
وأما الخامسة: فيكون مع إبراهيم عليه السلام.
وأما السادسة: فيحضره اثنا عشر ملكًا عند موته يبشرونه بالجنة ويزفونه من قبره إلى الموقف فإن أصابه شيء من أهاويل يوم القيامة قالوا له لا تخف إنك من الآمنين ثم يحاسبه الله حسابًا يسيرًا ثم يؤمر به إلى الجنة فيزفونه إلى الجنة من موقفه كما تزف العروس حتى يدخلوه الجنة بإذن الله تعالى والناس في شدة الحساب»
.
وفي رواية العقيلي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر أن عثمان سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير {لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} فقال عليه الصلاة والسلام: «ما سألني عنها أحد تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير».
وفي رواية الحرث بن أبي أسامة وابن مردويه عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: «هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله» وبالجملة اختلفت الروايات في الجواب، وقيل في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: إنه ضعيف في سنده من لا تصلح روايته، وابن الجوزي قال: إنه موضوع ولم يسلم له وحال الاخبار الآخر الله تعالى أعلم به والظن الضعف.
والمعنى عليها أن لله تعالى هذه الكلمات يوحد بها سبحانه ويمجد وهي مفاتيح خير السماوات والأرض من تكلم بها من المؤمنين أصابه، فوجه إطلاق المقاليد عليها أنها موصلة إلى الخير كما توصل المفاتيح إلى ما في الخزائن، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم شيئًا من الخير في حديث ابن عباس وعد في الحديث قبله عشر خصال لمن قالها كل يوم مائة مرة وهو بتمامه في الدر المنثور.
{والذين كَفَرُواْ بآيات الله أولئك هُمُ الخاسرون} معطوف على قوله تعالى: {الله خالق كُلّ شَىْء} [الزمر: 62] الخ أي أنه عز شأنه متصف بهذه الصفات الجليلة الشأن والذين كفروا وجحدوا ذلك أولئك هم الكاملون في الخسران، وقيل: على قوله تعالى: {لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} ولا يظهر ذلك على بعض الأوجه السابقة فيه.
وقيل: على مقدر تقديره فالذين اتقوا أو فالذين آمنوا بآيات الله هم الفائزون والذين كفروا الخ، وفيه تكلف.
وجوز أن يكون معطوفًا على قوله تعالى: {وَيُنَجّى الله} [الزمر: 61] فيكون التقدير وينجي الله المتقين والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون وما بينهما اعتراض للدلالة على أنه تعالى مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها، وفيه تأكيد لثواب المؤمنين وفلاحهم وعقاب الكفرة وخسرانهم ولم يقل ويهلك الذين كفروا بخسرانهم ما قاله سبحانه: {وَيُنَجّى} الخ للاشعار بأن العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى فلذا جعل نجاتهم مسندة له تعالى حادثة له يوم القيامة غير ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق والأعمال بخلاف هلاك الفكرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال ولم يسند له تعالى ولم يعبر عنه بالمضارع أيضًا، وفي ذلك تصريح بالوعد وتعريض بالوعيد حيث قيل: {الخاسرون} ولم يقل الهالكون أو المعذبون أو نحوه وهو قضية الكرم.
وعطف الجملة الاسمية على الفعلية مما لا شبهة في جوازه عند النحويين، ومما ذكرنا يعلم رد قول الإمام الرازي: إن هذا الوجه ضعيف من وجهين: الأول: وقوع الفصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه.
الثاني: وقوع الاختلاف بينهما في الفعلية والاسمية وهو لا يجوز، والإمام أبو حيان منع كون الفاصل كثيرًا.
وقال في الوجه الثاني: إنه كلام من لم يتأمل كلام العرب ولا نظر في أبواب الاشتغال.
نعم قال في الكشف يؤيد الاتصال بما يليه دون قوله تعالى: {وَيُنَجّى} أن قوله سبحانه: {وَيُنَجّى الله} متصل بقوله تعالى: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ} [الزمر: 60] فلو قيل بعده: {والذين كَفَرُواْ بآيات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} [الزمر: 36] لم يحسن لأن الأحسن على هذا المساق أن يقدم على قوله تعالى: {وَيُنَجّى الله} على ما لا يخفى ولأنه كالتخلص إلى ما بعده من حديث الأمر بالعبادة والإخلاص إذ ذاك، وهو كلام حسن، ثم الحصر الذي يقتضيه تعريف الطرفين وضمير الفصل باعتبار الكمال كما أشرنا إليه لا باعتبار مطلق الخسران فإنه لا يختص بهم؛ وجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين.
{قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} أي أبعد الآيات المقتضية لعبادته تعالى وحده غير الله أعبد، فغير مفعول مقدم لأعبد و{تَأْمُرُونّى} اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا له صلى الله عليه وسلم: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ولذا نودوا بعنوان الجهل، وجوز أن يكون {أَعْبُدُ} في موضع المفعول لتأمروني على أن الأصل تأمروني أن أعبد فحذفت أن وارتفع الفعل كما قيل في قوله:
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغي

ويؤيد قراءة من قرأ {أَعْبُدُ} بالنصب، و{غَيْرِ} منصوب بما دل عليه {تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ} أي تعبدونني غير الله أي أتصيرونني عابدًا غيره تعالى، ولا يصح نصبه باعبد لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها والمقدر كالموجود، وقال بعضهم: هو منصوب به وأن بعد الحذف يبطل حكمها المانع عن العمل، وقرأ ابن كثير {تَأْمُرُونّى} بالإدغام وفتح الياء.
وقرأ ابن عامر {تأمرونني} بإظهار النونين على الأصل، ونافع {الله تَأْمُرُونّى} بنون واحدة مكسورة وفتح الياء، وفي تعيين المحذوف من النونين خلاف فقيل: الثانية لأنها التي حصل بها التكرار، وقيل: الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)} عطف على جملة {ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر: 60] إلى آخرها، أي وينجي الله الذين اتقوا من جهنم لأنهم ليسوا بمتكبرين.
وهذا إيذان بأن التقوى تنافي التكبر لأن التقوى كمال الخُلق الشرعي وتقتضي اجتناب المنهيات وامتثال الأمر في الظاهر والباطن، والكبرَ مرض قلبي باطني فإذا كان الكبر ملقيًا صاحبه في النار بحكم قوله: {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} [الزمر: 60] فضد أولئك ناجون منها وهم المتقون إذ التقوى تحول دون أسباب العقاب التي منها الكبر، فالذين اتقوا هم أهل التقوى وهي معروفة، ولذلك ففعل {اتَّقوا} منزل منزلة اللازم لا يقدَّر له مفعول.